وما النصر إلا من عند الله
☆☆☆☆☆☆☆
الدكتور عصام بن هاشم الجفري
الحمد لله وعد بنصر أوليائه وبدحر وهزيمة أعدائه ، أحمده سبحانه وأشكره على فضله وجوده وعطائه،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ربوبيته ولا في صفاته ولا في أسمائه وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله خصه الله من بين خلقه باصطفائه صل الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.أما بعد:
فأوصيكم معاشر المؤمنين ونفسي أولاً بتقوى الله فهي مفتاح النصر والتمكين والمدد الرباني يقول تعالى:
{بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ}([1])
ولما حدث للمسلمين ما حدث في أحد لم يرجع الله ذلك إلى قلة عددهم أو ضعف خططهم وإنما أعاد ما أصابهم إلى المعصية وحب الدنيا واستمعوا للعليم الخبيريخبرنا عن ذلك بقوله:
{وَلَقَدْ صَدَقَكُمْ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}(4).
هل يكون النصر إذاً من الملائكة التي تقاتل إلى جوار المؤمنين؟ ففي بدر نزل يقاتل إلى جوار المؤمنين جيش من الملائكة بقيادة جبريل فهل هم الذين حققوا النصر؟ استمعوا إلى القوي القدير ينبئنا عن ذلك بقوله :
{ بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ()وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ}(6).
نعم هذه هي القاعدة التي يجب على المؤمنين أن يدركوها وما النصر إلا من عند الله فلا العدد ولا العدة ولا حسن التخطيط والتنظيم تغني وتنصر إن لم ينصر الله،عرف تلك الحقيقة نبينا صلوات ربي وسلامه عليه فقام ليلة بدر يتضرع إلى من بيده النصر حتى سقط رداءه عن منكبه وأشفق عليه صاحبه فنزل النصر،وعرف تلك الحقيقة الملك المظفر قطز فأخذ يمرغ وجهه في التراب ذلاً لمن بيده النصر فأنزل الله عليه النصر وهزم التتار،لكن متى ينزل النصر ذكر الله لنا ذلك بقوله:
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}(7).
نعم تنتصر أمة الإسلام يوم أن تطبق شريعة الله في حياتها وتطهر نفسها من منكرات فشت فيها عرف ذلك المعنى أقوام قاتلوا مع أنبيائهم فكان دعاءهم عند لقاء أعدائهم أن يغفر الله لهم ذنوبهم أخبرنا بذلك اللطيف الخبير حيث قال:
{وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ()وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}(8).
هذا المعنى فقهه الفاروق عمر فقال ناصحاً لأحد قواده إياكم والذنوب فإنكم إن عصيتم الله كنتم أنتم وهم سواء وهم أكثر منكم عدداً وعده فيهزموكم،الله سبحانه أوصانا إذا لقينا العدو أن نثبت مهما كان عددنا وعتادنا وأن نتصل به سبحانه من خلال كثرة ذكره فقال سبحانه:
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}(9).
هذه الحقيقة وهذا البعد الإيماني في معركة أمة الإسلام الذي بهت في نفوس بعض المسلمين ونسيه البعض الآخر أدركه أعداؤنا وهم يحاولون أن يطمسوه في قلوب عباد الله المؤمنين من خلال استعراضهم لقنابلهم النووية وأساطيلهم البحرية وسفنهم الفضائية،وكم من المسلمين بُهروا بتلك القوة والأسلحة وظنوا بأن أعداءهم قوة لا تقهر وأنه لا غالب لهم مثل هذا الشعور سيطر على بني إسرائيل يوم أن دعاهم موسى لإخراج أعداء الله من الأرض المقدسة فقالوا :
{قَالُوا يَامُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ}
ولكن من نور الله قلوبهم بالإيمان وعرفوا أن النصر من عند الله كان لهم رأي آخر وموقف آخر:
{قَالَ رَجُلَانِ مِنْ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمْ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ}(10).
مثل هذا الشعور سيطر على جمع من جيش طالوت
{فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ}
ولكن الفئة التي عرفت أن النصر من عند الله كان جوابها:
{قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}
فعلى الأمة إن أرادت النصر والنجاة من ذلها وتمزقها وهوانها أن تراجع دينها وأن تقلع عن ذنوبها وأن تعرف أن النصر لا يكون إلا من عند ربها أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
{إِنْ يَنْصُرْكُمْ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ}(11).